في الهجرة من الريف إلى المدينة
ما الذي تعرضه ذاكرتك حينما تقرأ كلمة (الريف)؟
تنصب في ذاكرتي صور جبال مكة على مداد الطريق إلى الطائف، ومزارع الجنوب وجبالها الخضراء الممتدة ومنازل الطين والأبواب المفتوحة لأي ضيف في أي وقت، والطرق غير المعبدة، والهواء النقي والهدوء العام والسماء الصافية والظلمة الحالكة، الديار التي ينتمي إليها الأقارب من دم واحد وتقل فيها أو تبتعد عنها الخدمات الضرورية، ومنها تكون الهجرة إلى المدينة
مُدن ومدائن جمع مدينة، وإيجازًا لتعريفاتها المتعددة أقول: هي مستوطنة تتميز بكثافة سُكانية عالية، وتعد مركز سريع النمو والتطور ومواكب لأحدث التغييرات، يستقطب اهتمام الجهات الحكومية والقطاع الخاص للاستثمار والتنمية، ولوفرة هذه الخدمات ينجذب إليها الناس بحثًا عن فرص أفضل للحياة العلمية والعملية التي ترتقي بمستوى العيش والرفاه.
وفي مقارنة سريعة بين المدن والأرياف وبعيدًا عن وفرة الخدمات المُقدَّمة في واحدة دون الأخرى، يبرز التعداد السكاني كأهم الفوارق المميِّزة بينهما والذي يؤثر على الجانب الأمني والاستراتيجي للدولة ككل، ففي الحروب يضرب العدو للمناطق المأهولة بالسكان ألف حساب لأنها تعتبر خط دفاع مهم بينما لا تُشكل المناطق غير المأهولة بالسكان أهمية كُبرى.
الهجرة من الريف
بسبب الهجرة من الريف إلى المدن تزداد الكثافة السكانية في الأخيرة وتختنق بالبشر مما يقلل جودة الحياة ويزيد نسبة الاستهلاك والتلوث البيئي ويُحدث الكثير من المشكلات الاجتماعية والبيئية التي تؤدي إلى الانفجار السكاني، وفي الجانب الآخر يقل عدد سكان القرى والأرياف بالرغم من وجود موارد وطاقات ومساحات شاسعة للوطن مهدورة! وهنا تبرز الأهمية القصوى لتسهيل الحياة البشرية في القرى والأرياف عبر التنمية الريفية والتي بها تتساوى الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الريف والمدينة، لأن العناية بالمواطن في الريف ومساواته بالمواطن في المدينة حق من الحقوق التي يجب أن تضمنها الدولة وتسخِّر في سبيله أجهزتها ومشاريعها ومبادراتها.
تصف الناشطة جاين جاكوبز* المدينة بأنها تجمع للغرباء، ولا أرى عيبًا في أن يجتمع غرباء في الجيرة والسكن، لأننا في أي منهما إخوة ويجمعنا وطن واحد ولنا الأهداف والمصالح المشتركة للبناء والتنمية والارتقاء، ولكن ماذا لو حظيَت الأرياف بذات الاهتمام التنموي الذي تحظى به المدن؟ ما الذي سيدفع الناس عندها إلى الهجرة؟
الكاتبة: ريم عاطي